شخصيات
آخر تحديث بتاريخ: 3 سنوات

الظاهر بيبرس سيرة حياة قاهر المغول و الصليبيين

الظاهر بيبرس Baibars أو الملك الظاهر ركن الدين بيبرس العلائي البُنْدُقْدارِي الصالحي النجمي لقب بـأبي الفتوح. سلطان مصروالشام ورابع سلاطين الدولة المملوكية ومؤسسها الحقيقي.

بدأ مملوكاً يباع في أسواق بغداد والشام وانتهى به الأمر أحد أعظم السلاطين في العصر الإسلامي الوسيط. لقّبه الملك الصالح أيوب في دمشق بـ”ركن الدين”، وبعد وصوله للحكم لقب نفسه بالملك الظاهر. ولد الظاهر بيبرس نحو عام 625 هـ الموافق 1228،

حقق الظاهر بيبرس خلال حياته العديد من الانتصارات ضد الصليبيين وخانات المغول ابتداءً من معركة المنصورة سنة 1250 ومعركة عين جالوت انتهاءً بمعركة الأبلستين ضد المغول سنة 1277.

وقد قضى أثناء حكمه على الحشاشين واستولى أيضا على إمارة أنطاكية الصليبية.

حكم الظاهر بيبرس مصر بعد رجوعه من معركة عين جالوت واغتيال السلطان سيف الدين قطز من سنة 1260 حيث خطب له بالمساجد يوم الجمعة 6 ذي الحجة 658 هـ / 11 نوفمبر 1260 م_

وتوفي يوم الخميس 27 محرم 676 هـ / 2 مايو 1277 م (عمر 54 سنة) بعد رجوعه من معركة الأبلستين ضد خانات المغول سنة 1277.

الظاهر بيبرس

أحيا الظاهر بيبرس خلال حكمه الخلافة العباسية في القاهرة بعد ما قضى عليها المغول في بغداد، وأنشأ نظُماً إداريةً جديدة في الدولة. اشتهر بيبرس بذكائه العسكري والدبلوماسي، وكان له دور كبير في تغيير الخريطة السياسية والعسكرية في منطقة البحر المتوسط.

نسب الظاهر بيبرس

هو (بيبرس الأول) الملك الظاهر، رابع السلاطين المماليك البحرية في مصر، أصبح اسمه أسطورة يتناقلها الرواة عبر الأجيال، حتى أصبح بطلا شعبيا، وأضيفت إلى تاريخه الفعلي مغامرات خيالية، فقد هزم جيوش المغول، ثم أنهى الاحتلال الصليبي في الشام إلى الأبد.

القائد بيبرس، استطاع أن يسحق جيوش المغول التي وصلت إلى فلسطين، وهزمها في (عين جالوت) عام 1220م، وطاردهم حتى دمشق وحلب.

والظاهر بيبرس، كان أول من أنشأ (شبكة بريدية) في فلسطين والشام، تقوم على تسلم الرسائل في محطات، مما استدعی إنشاء شبكة طرق وجسور ومحطات استراحة للخيول، وهو ما أضفى نوعا من الأمن على البلاد، ومنع وصول هجمات مغولية جديدة.

عقب اغتيال أقطاي وتولي السلطان (عز الدين أيبك) حكم مصر اضطر بيبرس إلى الانتقال إلى الشام، إذ لم تكن العلاقة بين أيبك وأقطاي على ما يرام، وبعد أن تولي الأمير (سيف الدين قطز) مقاليد الأمور في مصر قام باستدعاء بيبرس من الشام لمعاونته في إيقاف زحف التتار على الشرق، فتمكنا معاً من سحق التتار في معركة “عين جالوت”، وعهد قطز إلى بيبرس بمهمة ملاحقة فلول التتار وتشتيتهم، في عام 1260م.

طلب الظاهر بيبرس من السلطان قطز أن يجعله حاكما على حلب بالشام، فرفض، فقتله (بيبرس)، وهي السابقة التي استغلها المؤرخون المستشرقون من الفرنسيين بالذات، لإطلاق لقب (الدموي) و(البربري) و(المفتري) عليه في عام 1225م.

فترة حكم الظاهر بيبرس

ما أن استلم الظاهر بيبرس الحكم حتى أقبلت الوفود على مصر من كل البقاع، فقدم إليه وفد من العصفوريين حكام البحرين برئاسة مقدهم محمد بن أحمد العامري سنة 658 هـ/ 1260 م لمباركته على الحكم وطلبوا منه مساعدته للتصدي لهجمات خانات المغول من فارس.

وتحالف الظاهر بيبرس مع بركة خان زعيم القبيلة الذهبية في حربه ضد هولاكو خان الخانات فارس وأقام معاهدات وعلاقات ودية مع مانفرد بن فريدريك الثاني الإمبراطور الروماني، كما حالف ملك نابولي وصقليةوملك قشتالة ألفونسو العاشر.

وحالف أيضا الإمبراطور ميخائيل الثامن امبراطور بيزنطة, وحالف أيضا سلطان سلاجقة الروم عز الدين كيكاوس، وقد كان يبعث بالرسائل والهدايا للآخرين (بركة خان وعز الدين) ويحثهم على محاربة المغول الإلخانات لكف أذاهم عن دولته، كي يتفرغ للصليبيين.

الجهاد ضد المغول

إن العداء بين المماليك والمغول لم ينقطع منذ وقعة عين جالوت، فبعد وفاة بدر الدين لؤلؤ والي الموصل وحليف المغول في شعبان 656 / أغسطس 1258 م خلفه ابنه الملك الصالح إسماعيل الذي هادن المغول أول الأمر ثم انقلب عليهم وطردهم من الموصل.

وارسل أخاه إلى مصر لطلب المساعدة من بيبرس، ثم ذهب بنفسه ونسق معه، فارسل هولاكو إليه جيشا تعداده عشرة آلاف فارس بقيادة صندغون، فحاصره فيها،

وما أن علم بيبرس بذلك حتى أرسل اليه نجدة تعدادها سبعمائة فارس وأمر بخروج العساكر من دمشق وحلب، فخرج صاحب حلب وهو شمس الدين البرلي في سبعمائة فارس من الغز وأربعمائة من التركمان ومئة من العرب.

إلا أن صندغون المغولي قد علم بخروج تلك القوة فكمن لها عند سنجار وانقض عليها وقتل معظم افرادها. ثم عاد مشددا الحصار على الموصل، ونصب عليها ثلاثين منجنيقا، فضاقت الأحوال بشدة على المدينة.

ثم ارسل إلى الملك الصالح إسماعيل يمنيه بالوعود الحسنة إذا استسلم وفتح المدينة، وفعلا فتحت أبواب المدينة واستسلم الوالي وتوقف القتال.

فدخل المغول المدينة في 26 شعبان 660 هـ / 16 يوليو 1262 فاستباحوها وعملوا فيها السيف وقتلوا معظم اهاليها وهدموا أكثر من نصفها. وقتل الصالح إسماعيل وكذلك ابنه البالغ من العمر ثلاثة اعوام.

وقد ظل مغول فارس يتحينون الفرصة للحرب، وخاصة ابغا ابن هولاكو، الذي واصل سياسة ابيه العدائية تجاه المسلمين، فيما اتسمت سياسته مع الصليبيين بالود.

لكن الظاهر بيبرس وقف لهم دائماً بالمرصاد واستطاع أن يكسر شوكتهم، مما دعا ابغا إلى طلب الصلح، ولجأ في طلبه إلى الترغيب والتهديد، لكن الظاهر بيبرس كان يعلم جيداً أن الصلح مع المغول امر لايرضي المسلمين،

وذلك بسبب ما فعلوه في بغداد. ورغم ذلك واصل المغول هجماتهم على الساجور، لكن بيبرس ردهم خائبين، ثم ما لبثوا أن هاجموا عين تاب، لكن بيبرس دحرهم،

وهكذا قام بكسر التتار في أخرها عندما تحالف المغول مع سلاجقة الروم في آسيا الصغرى، فأعد حملة كبيرة سنة 675 هـ، لغزو سلاجقة الروم.

موقعة أبلستين

وفي حلت الهزيمة الساحقة بالمغول وحلفائهم من السلاجقة، وقد فر زعيم السلاجقة بعد أن قتل عدد كبير من رجالة ورجال المغول، ثم دخل الظاهر بيبرس قيسارية، ودعي له على منابرها وقدم له أمراء السلاجقة فروض الولاء والطاعة. وقيل ان أبغا لما سمع بما فعله الظاهر بيبرس برجاله في موقعة ابلستين أسرع إلى هناك ليشتد غضباً بما وجده من الآف القتلى من المغول في حين لم ير أحدا من السلاجقة، مما جعلة يأمر بقتل ما يزيد على مائتي ألف من المسلمين السلاجقة.

الحروب مع الصليبيين

أراد بيبرس معاقبة الصليبيين الذين ساعدوا المغول في عين جالوت خاصة بوهيموند السادس أمير إنطاكية، فوجه جيشا تمركز في حلب لشن غارات على انطاكية، ثم تجددت الغارات في السنة التالية

وتعرض ميناء السويدية للتهديد وكذلك تعرضت مدينة أنطاكية نفسها للحصار وكادت ان تسقط لولا النجدة المغولية الأرمنية التي قادها الملك هيتوم فاضطر المماليك إلى فك الحصار عنها.

بالمقابل خشى الصليبيون من قوة المماليك المتنامية فمالوا إلى الصلح آملين بما كانوا قد بذلوه من مساعدة للمماليك زمن حملة عين جالوت في استعادة اسراهم تنفيذا للوعد الذي قطعه السلطان أيبك بإعادة زرين في الجليل إليهم أو دفع تعويض عنها وعقد هدنة بين الطرفين.

فتوجه الكونت إبلين كونت يافا ويوحنا الثاني كونت بيروت إلى القاهرة سنة 659 هـ/1261 م وأجريا مفاوضات مع الظاهر بيبرس لاسترجاع أسراهم وعقد هدنة فوافق الظاهر بيبرس بشرط العودة إلى ما كان عليه الأمر أيام الملك الناصر صلاح الدين وإطلاق الأسرى المسلمين إلا أن الإسبتارية والداوية رفضوا التخلي عن الأسرى المسلمين نظرا لكونهم صناعا مهرة،

وما لهم من أهمية مادية للطائفتين، فعندئذ قطع بيبرس المفاوضات وأمر بنقل اسراه من الصليبيين إلى معسكرات العمل الخاصة بتشييد العمائر، ثم حرك الجيوش بإتجاه أملاك الصليبيين وهاجم حصونهم،

مما حدا بهم ان يعاودوا مرة أخرى ويطلبوا منه الصلح، فما كان رده إلا أن قال:”لم لا كان هذا قبل حضورنا إلى هذا المكان؟ ردوا ما أخذتموه من البلاد وفكوا أسرى المسلمين جميعهم فإني لاأقبل غير ذلك”.

بدأ الظاهر بيبرس حربه بمهاجمته إقليم الجليل، فنهب الناصرة ثم شن هجوما مفاجئا على عكا وحاول اقتحام أبوابها في (جمادى الآخرة 661 هـ/ أبريل 1263 م) ولكنه لم يتمكن لحصانتها وكثرة من بها من الصليبيين، فتركها بعد أن نهب أرباضها ورحل إلى بيت المقدس. ثم هاجم بالشهر التالي قيساريةوعثليث.

وفي عام 663 هـ/1265 م نزل الظاهر بيبرس بقوات ضخمة إلى غزة ومن هناك إلى قيسارية ففتحها في جمادى الأول (شباط)، ثم تقدم صوب يافا فدخلها بغير قتال، لأن الصليبيين فروا منها هاربين.

ثم سار نحو عثليث وحررها، وقد كانت بأيدي الصليبيين منذ سنة 614 هـ/1218 م. ثم اتجه صوب أرسوف وضرب عليها حصارا شديدا استمر 40 يوما، استسلمت بعده المدينة، ومن أرسوف اتجه مرة أخرى صوب عكا، غير أنه لم يستطع أن يحرر المدينة نظرا لمساندة هيو الثالث ملك قبرص وامداده بإسطول كبير شمل كل قوة قبرص البحرية.

لذا تركها الظاهر بيبرس وعاد إلى مصر، ليعاود الكرة على الصليبيين بعد انتهاء الشتاء، وبدأ عمله أوائل صيف 1266 م/664 هـ. حيث بدأ بمدينة صفد (مقر الداوية) وتمكن من تحريرها 17 شوال 664 هـ / يوليو 1266 م

ثم حرر هونين وتبين والرملة، وسقطت يبنة دون قتال واستولى على القليعةوعرقة، وبذلك تمت السيطرة على الطريق المؤدي إلى طرابلس من البقاع.

نتيجة لتلك الانتصارات ضعفت معنويات الصليبيين في الشام وسارع البعض إليه يطلبون وده ورضاه مقابل تنازلهم عن نصف غلات المناطق التي تحت سيطرتهم.

الظاهر بيبرس

إنجازات الظاهر بيبرس

التصدي لتهديد التتار للدولة الإسلامية

لم يقتصر دور الظاهر بيبرس على التصدي لتهديد التتار للدولة الإسلامية وحسب، فقد عمل على تصفية الوجود الصليبي في الشام، وكان له الفضل في تطهير مدن قيسارية وأرسوف وطبرية ويافا وأنطاكية من الصليبيين، كما لم يدخر بيبرس وسعاً في التصدي لأي خطر خارجي على الدولة الإسلامية.

التصدي لدعوات التخريب الداخلية

فقد اتخذ نفس الأسلوب في التصدي لدعوات التخريب الداخلية التي تبنتها بعض الفرق التخريبية المعروفة بالـ (باطنية) والتي لم تكن أقل خطراً من التتار أو الصليبيين،

فقد أشاعت الذعر بين الناس وعملت على نشر مذهبها المنحرف، ناهيك عن إعمالها السيف في الكثير من القادة والعلماء، الأمر الذي جعل مجرد ذكرهم مصدراً للذعر بين الناس.

لذا فقد استعمل بيبرس الحيلة للقضاء عليهم وعهد إلى العلماء باستقطاب أكبر عدد منهم للعودة إلي صفوف الأمة، فتاب منهم من تاب ولم يبق إلا عتاتهم الذين رفضوا العدول عن ما هم عليه، فقام الظاهر بيبرس باقتحام قلاعهم وأماكن تمركزهم فقضى عليهم وشتتهم وخلص الأمة من شرورهم. 

رجل دين ودولة

لم يكن الظاهر بيبرس محارباً بارعاً فحسب، بل كان رجل دين ودولة، وكان يكره الفساد ويُحرمه في مملكته، فأمر بالقضاء على تجارة الخمور وعلى مروجي الرذيلة، وصادر أموالهم ودعاهم إلى التوبة والرجوع إلى الطريق المستقيم، وأدخل تعديلات على النظام القضائي آنذاك فأمر بتعيين أربعة قضاة يمثلون المذاهب الأربعة، وأعاد للجامع الأزهر مكانته.

العمران في عهد الظاهر بيبرس

كان للعمران في عهد الظاهر بيبرس نصيب كبير من الاهتمام؛ فانتعشت حركة العمران وشيدت السدود وبنيت القناطر وعمرت الأسواق، أما المساجد فقد عني الظاهر بيبرس بإعمارها والعناية بها أيما عناية، وبنى في القاهرة مسجداً عرف باسمه لا يزال قائما إلى اليوم وأنشأ المدرسة الظاهرية بكل من القاهرة ودمشق وأمدهما بذخائر الكتب، عني الظاهر بيبرس أيضا بالتجارة وسعى لتأمينها، وصك عملات خالصة نقية حازت على ثقة الناس، فازدهرت التجارة في عصره وعم الأمان ربوع دولته.

وفاة الظاهر بيبرس

 بعد حياة مليئة بالأحداث وبعد حكم دام لسبعة عشر عاماً توفي الظاهر بيبرس في الثاني من شهر مايو عام 1277م و دفن في المكتبة الظاهرية في دمشق، بعد أن اتخذ لنفسه مكاناً رفيعاًً بين خيرة الحكام المسلمين، الذين ذادوا عن حياض الدولة الإسلامية ورفعوا عليها راية الدين خفاقة عالية، فأمن بفضلهم الناس وأينعت في عهدهم الأرض، ألا فرحمة الله على المُجاهدين المُخلصين.

قال الزركلي في (الأعلام):

“الظاهر بيبرس (625 – 676 ه‍) بيبرس العلائي البندقداري الصالحي، ركن الدين، الملك الظاهر: صاحب الفتوحات والأخبار والآثار. مولده بأرض القپچاق. وأسر فبيع في سيواس، ثم نقل إلى حلب، ومنها إلى القاهرة. فاشتراه الأمير علاء الدين أيدكين البندقدار، وبقي عنده، فلما قبض عليه الملك الصالح (نجم الدين أيوب) أخذ بيبرس، فجلعه في خاصة خدمه، ثم أعتقه. ولم تزل همته تصعد به في أيام الملك (المظفر) قطز، وقاتل معه التتار في فلسطين.

ثم اتفق مع أمراء الجيش على قتل قطز، فقتلوه، وتولى (بيبرس) سلطنة مصر والشام (سنة 658 ه‍) وتلقب بالملك (القاهر، أبي الفتوحات) ثم ترك هذا اللقب وتلقب بالملك (الظاهر). وكان شجاعا جبارا، يباشر الحروب بنفسه. وله الوقائع الهائلة مع التتار والإفرنج (الصليبيين) وله الفتوحات العظيمة، منها بلاد (النوبة) و(دنقلة) ولم تفتح قبله مع كثرة غزو الخلفاء والسلاطين لها. وفي أيامه انتقلت الخلافة إلى الديار المصرية سنة 659 هـ. وآثاره وعمائره وأخباره كثيرة جدا. توفي في دمشق ومرقده فيها معروف أقيمت حوله المكتبة الظاهرية”